السبت، 16 يونيو 2012

سيكلوجية السلوك العدواني لدى الأطفال



يعتبر السلوك السوي بشكل عام أحد وسائل التفاعل الاجتماعي الإيجابي بين الأفراد والجماعات . كما يعتبر الوسيلة الوحيدة أو الأساسية للاتصال فيما بينهم . إضافة إلى أن السلوك هو المحصلة الناتجة لنشاط و فعالية الكائن الحي و تفاعله مع البيئة المحيطة به . كما هو استجابة الفرد للمثيرات بنوعيها الداخلية والخارجية ( البيئة ) ، و هو مؤشر لحياة الكائن . فإن لم يكن سلوك لم تكن هناك حياة . تلعب الوراثة والبيئة دورا مهما في تحديد نوعية ذلك السلوك إن كان سويا أو عدوانيا .


يعتبر السلوك العدواني بعض الأحيان بمثابة مفتاح الأمان للكائن الحي الذي يساعد على التنفيس عما يعاني منه . دأب المعالجون النفسانيون على نصح المنفعلين بأن يضعوا لهم أهدافا كالأهداف التي يستعملها الملاكمون للتدريب على الملاكمة ويطلب منهم أن يضربوا على تلك الأهداف عند الشعور بالغضب أو التوتر . وقد استعملت طريقة الضرب على وجه الماء وكانت نافعة جدا للأطفال .


مظاهر السلوك العدواني :

يعتبر السلوك العدواني سلوكا غير سويا ، أو منحرفا لاعتماده على التدمير والتخريب وإيذاء الغير والنفس أحيانا . يختلف السلوك العدواني باختلاف الأفراد والمواقف . على سبيل المثال هناك سلوك عدواني يتضمن السلوك العدواني اللفظي أو الجسمي ، وهناك العنيف والمتوسط . كما إن هناك سلوك عدواني عفويا و آخر مقصودا .


يصاحب السلوك العدواني انفعالات سلبية وحالات من التشنج والصراخ والبكاء والحركة المستمرة ، ثم الاعتداء بالضرب أو تكسير الأشياء أو الركل بالأقدام والبصاق على الآخرين وجر الشعر وما إليها من مظاهر سلوكية عدوانية .


هناك مظهر آخر للسلوك العدواني المرتد على النفس كالشراهة في تناول الطعام أو علامات الانسحاب والنكوص الذي يصاحبه مص الإبهام أو قضم الأظافر أو عض الأقلام والحاجيات الصغيرة وتكسيرها أحيانا ، أو التبول الليلي وغيرها من سلوكيات .


أسباب السلوك العدواني :

تلعب عوامل عديدة في تعزيز و تنمية السلوك العدواني لدى الأفراد ، نلخصها بالشكل التالي :


1 ـ أسباب رحمية : تبدأ شرارة السلوك العدواني منذ لحظة تلقيح البيضة ، فإن كان الزوجان متوترين وغير مطمئنين ولا متفاهمين تكون حالتهما النفسية والجسمية غير اعتيادية ، و تكون كهربائية الجسم لديهما عالية جدا مما يؤثر على عملية التلقيح . كما أن الأب أو ألام أو كليهما يتعاطيان الكحول ، هو الآخر يؤثر على الجنين والمحصلة تكون طفلا عدوانيا . يكون العكس إن كان الزوجان متفاهمين وتظهر عليهما علامات الاطمئنان والهدوء حيث التلقيح يكون بشكل اعتيادي والناتج يكون طفلا هادئا غير ميال للسلوك العدواني . كذلك تؤثر حالة ألام النفسية أثناء الحمل على تكوين الجنين فإن تعرضت الحامل لمواقف تزيد من انفعالاتها المختلفة ، فإن ذلك يؤدي إلى ازدياد حركة الجنين . يعود السبب في ذلك إلى أن الانفعالات لدى الحامل تؤثر في زيادة كهربائية الجسم ، وبالتالي تؤثر في زيادة إفرازا الغدد الجسمية والتي بدورها تؤثر في كيفية نمو الجهاز العصبي كما تؤثر على التطور الانفعالي الحاصل لدى الجنين وذلك لتأثر الجنين المباشر يتلك الظروف المحيطة بالحامل . كما إن النظام الصحي له تأثير كبير على نمو الجنين ، فالنقص الحاصل قي المواد الغذائية يؤدي للإصابة بضعف الأعصاب ثم التخلف العقلي . وان تعاطت ألام المخدرات أو مارست عادة التدخين أو تناولت أطعمة فاسدة وما إليها من عوامل غذائية غير صحية ، فإن هذا يؤثر تأثيرا مباشرتا على الجنين . كذلك تعرض ألام للأشعة الكيماوية من جراء التجارب النووية أو الحروب أو تعرضها لأشعة أكس ، يؤدي هذا إلى إصابة الجنين بالتشوهات الخلقية والنقص العقلي الذي يلعب دورا مهما في تحديد سلوك الفرد فيما بعد .



2 ـ أسباب بايولوجية : تلعب عوامل تركيب الجسم دورا فعالا في السلوك العدواني . فقد وجدت الأبحاث المختلفة بأن الذكر الحيواني والإنساني اكثر عدوانية من الأنثى . يعود السبب إلى أن للهرمون الذكري أثر في ذلك . كذلك وجدت الأبحاث بأن المجرمين والقتلة يحملون كرموسوم ( Y ) زائد عن العدد المألوف أي أنهم يحملون ( Xyy ) .

للاستجابة الكهربائية العالية ، أو إصابة المخ بالأمراض المختلفة أثر كبير على السلوك العدواني. هناك مساحة معينة في المخ تتحكم في السلوك العدواني ، وقد أجريت تجارب عديدة على الحيوانات التي يتميز سلوكها بالعدوان وذلك بإزالة تلك المنطقة مما جعل الحيوان أن يكون هادئا ولم تظهر عليه استجابات سلوكية عدوانية . ذكر جوسي آنذاك بأن تلك المنطقة تتأثر تأثيرا مباشرا بالعوامل البيئية .


3 ـ أسباب بيئية : للبيئة أثر فعال في تنمية السلوك العدواني لدى الأطفال . تشمل بيئة هذه البيئة المؤسسات التربوية التالية :


أ ـ الأسرة :

يحاط المولود الجديد برعية خاصة من الناحية البايولوجية والنفسية ، لو تعرض أي جانب من هذه الجوانب إلى خلل فإنه يؤدي ذلك إلى انحراف في سلوك الطفل . تشمل تلك الانحرافات ما يلي :

1 ـ إن فقدان الشعور بالاطمئنان لدى الطفل أثناء تعامله مع ألام في فترة الرضاعة تجعله يتمسك بالثدي بأظافره أو بأسنانه . قد تعاقب ألام الطفل على ذلك السلوك مما يساعد بالتالي على تنمية السلوك العدواني لديه .


2 ـ للطفل حاجات متعددة منها الحرية والنجاح والتعبير عن مشاعره العاطفية والجنسية وحاجته إلى التقدير والاحترام المتبادل . فإن حدث خلل في إشباع تلك الحاجات أو الحيلولة دون تحقيق أهداف الطفل أدى ذلك إلى ظهور السلوك العدواني .


3 ـ التدريب على الحمام : إن اعتمد هذا التدريب على العقاب والعنف أدى بالطفل إلى أن يتخذ السلوك العدواني أداة للتنفيس عما يعاني من تلك القسوة . كما يؤدي إلى الانحرافات السلوكية المختلفة منها التبول الليلي الذي يعاقب عليه من قبل الوالدين مما يزيد الطين بلة .


4 ـ فطام الطفل : تعتمد بعض الأمهات في فطام الطفل على الأساليب القاسية التي تتضمن تخويف الطفل من الثدي أو وضع مادة شديدة المرارة على الثدي ، مما يؤدي إلى إصابة الطفل بالإحباط وبالتالي اتخاذ السلوك العدواني وسيلة للتعبير عن ذلك الشعور .


5 ـ تغذية الطفل بعد الفطام : يحدث لبعض الأمهات أن تستعجل الطفل على تناول طعامه بسرعة ، مما يؤدي بالتالي إلى إرباكه وعدم اطمئنانه ، والذي بدور هذا الموقف يؤدي إلى القلق وثم إلى السلوك العدواني . كما إن لمرحلة القضم بعد ظهور الأسنان أهميتها فإن لم تشبع تلك المرحلة أدى إلى السلوك العدواني وذلك بان يحاول الطفل عض الآخرين وعض أصابعه أحيانا عند الغضب .


6 ـ تلجأ بعض العائلات إلى وسيلة تفضيل الأطفال بعضهم على البعض الآخر مما يخلق الشعور بالغيرة لديهم ، والذي يدفع الطفل إلى السلوك العدواني .


7 ـ تتخذ بعض العائلات العقاب بشكله الجسمي واللفظي وسيلة لعقاب الطفل مما يتيح له الفرصة أن يستعمل تلك الوسيلة في المواقف المختلفة والمتنوعة من السلوك العدواني .


8 ـ تهمل بعض العائلات تزويد الطفل باللعب المختلفة . قد يعود السبب إلى العامل الاقتصادي أو لإغفال أهمية اللعب في تلك المرحلة . هذا الحرمان هو الآخر يؤدي إلى السلوك العدواني .


ب ـ المدرسة :
يكثر السلوك العدواني في المدارس خاصة أثناء استراحة التلاميذ ووقت الامتحانات . فإن كان المدرس قاسيا ومستعملا العقاب وسيلة للتأديب ودفع الطلبة للدراسة ، فإن هذا ينعكس على سلوك التلاميذ . كما يكون هناك توتر وقت الامتحان لدى التلاميذ والذي يؤدي إلى السلوك العدواني . يتعلم التلاميذ السلوك العدواني من بعضهم البعض الآخر . ويزداد ذلك السلوك بين التلاميذ فاقدي الاشراف والتوجيه والتوعية . ج ـ الوسائل الإعلامية : تشمل الوسائل الإعلامية الإذاعة المرئية والمسموعة والكتب والقصص والمجلات والصحف والملصقات الجدارية والسينما و أفلام الفيديو وغيرها . تجلب الإذاعة اهتمام الأطفال أكثر من غيرها من الوسائل الإعلامية . يجلس الأطفال فترات طويلة أمام تلك الوسيلة لمشاهدة الأفلام المختلفة ، منها أفلام الرعب والمصارعة والملاكمة ، وأفلام الجريمة وغيرها من الأفلام التي تثير النزعة العدوانية لدى الطفل من جهة ، والتقليد من جهة ثانية . كما أن نهاية بطل الفلم أو القصة والذي قام بالجرائم المختلفة ، القتل والنهب والحرق والسرقة ، وبالنتيجة يجمع الأموال الطائلة ويظفر بحبيبته ويهرب إلى بلد آخر . تعكس تلك الأفلام للطفل مفاهيم خاطئة وذلك بإيجابية المواقف العدوانية . هذا ما ترفضه التربية وعلم النفس رفضا باتا وتحذر من مغبته . يرغب أكثر الأطفال في قراءة القصص الخيالية والتي تعتمد على المغامرة والمفاجئات . قد تضمن تلك القصص مواقف إجرامية وأحداثا مرعبة مما تزرع الخوف والرعب في نفوس الناشئة ، كما تدربهم على الجريمة وتغذي فيهم روح العدوان .


الحد من السلوك العدواني :


تقع مهمة الحد من السلوك العدواني على عاتق المجتمع بأجمعه


تلعب الأسرة دورا مهما في غرس الأنماط السلوكية لدى الطفل . وان المراحل الأولي التي يقضيها الطفل بين أحضان الوالدين من أهم المراحل . ولذا تتوجب العناية بطرق التنشئة الاجتماعية السليمة بالشكل التالي :


1 ـ تعتمد تربية الطفل على ألام بشكل خاص فعليه يتم اختيار الزوجة الصالحة من جميع الوجوه و ألا تكون دون سن الزواج القانوني ، وان تكون ناضجة وواعية بالأسس التربوية الصحيحة ، ألانها ستتولى مهمة تربية الأجيال الناشئة .


2 ـ إيجاد الأساليب السليمة في توعية الجنسين في مجال التربية الجنسية و تزويدهم بالمفاهيم الصحيحة في هذا الخصوص .


3 ـ الاهتمام باختيار أفلام الفيديو والقصص والمجلات ، وان يعتمد هذا الاختيار على الوسائل التربوية الصحيحة . كما يجب على الوالدين مراقبة برامج التليفزيون و إبعاد الطفل عن البرامج غير التربوية والضارة .


4 ـ على الوالدين الحذر من إظهار أي سلوك عدواني خلال معاملتهم مع الأطفال ، لكي لا يتعلم الطفل الأساليب العدوانية منذ الصغر . وينبغي أن يعتمد التعامل فيما بين أفراد الأسرة على التسامح والتعاون لتساعدهم على تكوين اتجاهات سلوكية إيجابية .


5 ـ عدم إشعار الطفل بأنه غير مرغوب فيه وانه عالة على الأسرة .

6 ـ تجنب المقارنة بين الأطفال وتفضيل طفل على آخر إن كان في البيت أو المدرسة أو الحارة لئلا نخلق لديهم الغيرة والكراهية فيما بينهم .

7 ـ تجنب مكافأة الطفل بعد أداء سلوك عدواني لان المكافأة والتعزيز تجعل السلوك العدواني يتكرر ويتقوى .


8 ـ تجنب معاقبة الطفل إن عمل خطا والابتعاد عن القسوة والضرب لان هذا يولد لدى الطفل نوعا من التوتر، مما يؤدي بالتالي إلى التنفيس عن هذا التوتر بالسلوك العدواني .


9 ـ التقليل من مدح الطفل وإثابته على كل عمل يؤديه لان هذا يؤدي به أن ينتظر الثواب لكل خطوة يخطوها وقد يكون ماديا في معاملاته للآخرين عند الكبر .


10 ـ عدم تكليف الطفل ما لا طاقة له عليه وذلك لتجنب الإحباط والنكوص والشعور بالقصور والفشل والدونية .


11 ـ تزويد الطفل باللعب المختلفة وإتاحة الفرصة له أن يلعب بحرية كاملة دون تدخل الآباء ، إن رغب الطفل في فك اللعب وتركيبها لأن ذلك يزوده بمعلومات لا حصر لها . كما يعطيه الفرصة في التعرف على ميكانيكية تلك اللعب . على الوالدين تجنب عقاب الطفل عند تكسير لعبه لان للعقاب مساوئ كثيرة خاصة في تلك المواقف . كما يستحسن إشعار الطفل بإمكانية الوالدين المحدودة لشراء بعض اللعب لا كلها ، لان الطفل يفكر بأنه سيحصل على جميع اللعب الموجودة في المخزن عندها يصاب بخيبة أمل حين لا يحصل على ذلك وبالتالي يصبح متوترا وعصبيا .


12 ـ التقيد بتنفيذ الوعود التي تعطى للطفل وعدمها يخلق له نوع من الإحباط والانفعال وعدم الثقة بالآخرين .

13 ـ الاهتمام في اختيار قصص الأطفال من الناحية التربوية والنفسية وان تكون بعيدة عن روح العدوان .  

0 التعليقات: